فصل: بَابُ السَّلَمِ وَالتَّصَرُّفِ فِي الدَّيْنِ وَمَا يَلْحَقُ بِهِ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: مطالب أولي النهى في شرح غاية المنتهى



.بَابُ السَّلَمِ وَالتَّصَرُّفِ فِي الدَّيْنِ وَمَا يَلْحَقُ بِهِ:

قَالَ الْأَزْهَرِيُّ: السَّلَمُ وَالسَّلَفُ وَاحِدٌ فِي قَوْلِ أَهْلِ اللُّغَةِ، إلَّا أَنَّ السَّلَفَ يَكُونُ قَرْضًا، لَكِنَّ السَّلَمَ لُغَةُ أَهْلِ الْحِجَازِ، وَالسَّلَفَ لُغَةُ أَهْلِ الْعِرَاقِ، قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ، وَسُمِّيَ سَلَمًا لِتَسْلِيمِ رَأْسِ الْمَالِ فِي الْمَجْلِسِ، وَسَلَفًا لِتَقْدِيمِهِ. وَالسَّلَمُ شَرْعًا (عَقْدٌ عَلَى) مَا يَصِحُّ بَيْعُهُ (مَوْصُوفٌ) بِمَا يَضْبِطُهُ (بِذِمَّةٍ)، وَهِيَ وَصْفٌ يَصِيرُ بِهِ الْمُكَلَّفُ أَهْلًا لِلْإِلْزَامِ وَالِالْتِزَامِ (مُؤَجَّلٌ) أَيْ: الْمَوْصُوفُ (بِثَمَنٍ)- مُتَعَلِّقٌ بِعَقْدٍ- (مَقْبُوضٍ) ذَلِكَ الثَّمَنُ (بِمَجْلِسِ عَقْدٍ).
قَالَ فِي الْمُبْدِعِ وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ قَبْضَ الثَّمَنِ شَرْطٌ مِنْ شُرُوطِهِ؛ لَا أَنَّهُ دَاخِلٌ فِي حَقِيقَتِهِ، وَالْأَوْلَى أَنَّهُ بَيْعٌ مَوْصُوفٌ فِي الذِّمَّةِ إلَى أَجَلٍ، وَهُوَ جَائِزٌ بِالْإِجْمَاعِ، وَسَنَدُهُ قَوْله تَعَالَى: {إذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ}. وَرَوَى سَعِيدٌ بِإِسْنَادِهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: أَنَّ السَّلَفَ الْمَضْمُونَ إلَى أَجَلٍ مُسَمًّى قَدْ أَحَلَّهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ، وَأَذِنَ فِيهِ، ثُمَّ قَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ اللَّفْظُ يَصْلُحُ لِلسَّلَمِ، وَيَشْمَلُهُ بِعُمُومِهِ، وَقَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «مَنْ أَسْلَفَ فِي شَيْءٍ فَلْيُسْلِفْ فِي كَيْلٍ مَعْلُومٍ وَوَزْنٍ مَعْلُومٍ إلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ. وَلِأَنَّ الْمُثَمَّنَ أَحَدُ عِوَضَيْ الْبَيْعِ، فَجَازَ أَنْ يَثْبُتَ فِي الذِّمَّةِ، كَالثَّمَنِ، وَلِحَاجَةِ النَّاسِ إلَيْهِ. (وَيَصِحُّ) السَّلَمُ (بِلَفْظِهِ)؛ كَأَسْلَمْتُكَ هَذَا الدِّينَارَ فِي كَذَا مِنْ الْقَمْحِ، (وَ) يَصِحُّ (بِلَفْظِ سَلَفٍ)؛ كَأَسْلَفْتُكَ كَذَا فِي كَذَا؛ لِأَنَّهُمَا حَقِيقَةٌ فِيهِ؛ لِأَنَّهُمَا لِلْبَيْعِ الَّذِي عُجِّلَ ثَمَنُهُ وَأُجِّلَ مُثَمَّنُهُ.
(وَ) بِلَفْظِ (بَيْعٍ وَبِمَا)؛ أَيْ: لَفْظٍ (صَحَّ بِهِ) الْبَيْعُ. (وَهُوَ)؛ أَيْ: السَّلَمُ (نَوْعٌ مِنْهُ)؛ أَيْ: الْبَيْعِ، (فَيُشْتَرَطُ لَهُ شُرُوطُهُ)؛ لِأَنَّهُ بَيْعٌ إلَى أَجَلٍ، فَيُشْتَرَطُ لَهُ مَا يُشْتَرَطُ لِلْبَيْعِ (إلَّا أَنَّهُ)؛ أَيْ: السَّلَمَ (لَا يَكُونُ إلَّا فِي الْمَعْدُومِ)؛ لَمَا يَأْتِي، بِخِلَافِ الْبَيْعِ، فَإِنَّهُ يَكُونُ فِي الْمَوْجُودِ وَفِي الْمَعْدُومِ بِالصِّفَةِ؛ كَمَا تَقَدَّمَ، وَالْمُرَادُ بِالْمَعْدُومِ هُنَا الْمَوْصُوفُ فِي الذِّمَّةِ، وَإِنْ كَانَ جِنْسُهُ مَوْجُودًا.
(وَشُرُوطُهُ)؛ أَيْ: السَّلَمِ (سَبْعَةٌ) تَأْتِي مُفَصَّلَةً:

.[الشَّرْطُ الْأَوَّلُ: كَوْنُ الْمُسْلَمِ فِيهِ مِمَّا يُمْكِنُ انْضِبَاطُ صِفَاتِهِ]:

(أَحَدُهَا) كَوْنُ الْمُسْلَمِ فِيهِ مِمَّا يُمْكِنُ (انْضِبَاطُ صِفَاتِهِ) لِأَنَّ مَا لَا تَنْضَبِطُ صِفَاتُهُ يَخْتَلِفُ كَثِيرًا، فَيُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ الْمَطْلُوبِ عَدَمُهَا شَرْعًا (كَمَكِيلٍ) مِنْ حُبُوبٍ وَأَدْهَانٍ وَأَلْبَانٍ، (وَمَوْزُونٍ) مِنْ ذَهَبٍ وَفِضَّةٍ وَحَدِيدٍ وَنُحَاسٍ وَرَصَاصٍ وَلَوْ كَانَ الْمُسْلَمُ فِيهِ (شَهِدَا بِشَمْعِهِ، أَوْ شَحْمًا، أَوْ لَحْمًا نِيئًا- وَلَوْ مَعَ عَظْمِهِ-) لِأَنَّهُ كَالنَّوَى فِي التَّمْرِ، (إنْ عُيِّنَ مَوْضِعٌ قُطِعَ؛ كَلَحْمِ فَخِذٍ وَجَنْبٍ) وَغَيْرِ ذَلِكَ، فَإِنْ لَمْ يُعَيَّنْ؛ لَمْ يَصِحَّ السَّلَمُ فِيهِ بِعَظْمِهِ؛ لِاخْتِلَافِهِ، (وَيُعْتَبَرُ قَوْلُهُ) إذَا أَسْلَمَ فِي لَحْمٍ (لَحْمِ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى مَعَ بَيَانِ نَوْعٍ)؛ كَبَقَرٍ أَوْ جَوَامِيسَ أَوْ ضَأْنٍ أَوْ مَعْزٍ (وَ) بَيَانِ صِفَةٍ مِنْ (سِمَنٍ وَهُزَالٍ وَخَصْيٍ أَوْ غَيْرِهِ، رَضِيعٍ أَوْ فَطِيمٍ، مَعْلُوفٍ أَوْ رَاعٍ) مِنْ الْكَلَأِ؛ لِأَنَّ الثَّمَنَ يَخْتَلِفُ بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ، فَاعْتُبِرَ بَيَانُهَا، (وَإِنْ كَانَ لَحْمَ صَيْدٍ لَمْ يَحْتَجْ) فِي الْوَصْفِ (لِذِكْرِ عَلَفٍ وَخِصَاءٍ) وَذُكُورِيَّةٍ وَأُنُوثِيَّةٍ، (لَكِنْ يَذْكُرُ الْآلَةَ أُحْبُولَةً أَوْ كَلْبًا أَوْ غَيْرَهَا) مِنْ الْجَوَارِحِ، وَالشَّبَكَةَ وَالْفَخَّ؛ (لِأَنَّ الْأُحْبُولَةَ يُؤْخَذُ فِيهَا الصَّيْدُ سَلِيمًا، وَنَكْهَةُ الْكَلْبِ أَطْيَبُ مِنْ) نَكْهَةِ (الْفَهْدِ). (وَيَلْزَمُ) الْمُسْلِمَ إذَا أَسْلَمَ فِي لَحْمٍ وَأَطْلَقَ (قَبُولُ لَحْمًا بِعَظْمٍ؛) لِأَنَّ اتِّصَالَهُ بِالْعَظْمِ اتِّصَالُ خِلْقَةٍ؛ (كَنَوًى بِتَمْرٍ)، وَ(لَا) يَلْزَمُ (قَبُولُ رَأْسٍ وَسَاقَيْنِ)، لِأَنَّهُ لَا لَحْمَ بِهَا (فَإِنْ أَسْلَمَ فِي لَحْمِ طَيْرٍ؛ لَمْ يَحْتَجْ) فِي وَصْفِهِ (لِذِكْرِ ذُكُورَةٍ وَأُنُوثَةٍ، إلَّا أَنْ يَخْتَلِفَ) اللَّحْمُ (بِذَلِكَ)؛ أَيْ: بِالذُّكُورَةِ وَالْأُنُوثَةِ؛ (كَلَحْمِ دَجَاجٍ)، فَيُحْتَاجُ إلَى الْبَيَانِ (وَلَا) يُحْتَاجُ أَيْضًا فِي السَّلَمِ فِي الطَّيْرِ (لِذِكْرِ مَوْضِعِ قَطْعٍ، إلَّا أَنْ يَكُونَ) الطَّيْرُ (كَبِيرًا يَأْخُذُ مِنْهُ بَعْضَهُ)؛ كَخَمْسَةِ أَرْطَالٍ مِنْ لَحْمِ نَعَامٍ فَيُبَيِّنُ مَوْضِعَ الْقَطْعِ؛ لِاخْتِلَافِ الْعَظْمِ. (وَيَذْكُرُ فِي سَمَكٍ) إذَا أَسْلَمَ فِيهِ (النَّوْعَ وَالنَّهْرَ) وَيَذْكُرُ (نَحْوَ سِمَنٍ) وَهُزَالٍ (وَصِغَرٍ وَطَرِيٍّ وَمِلْحٍ، وَلَا يُقْبَلُ رَأْسٌ وَذَنَبٌ، بَلْ) يَلْزَمُ الْمُسْلِمَ أَنْ يَقْبَلَ (مَا بَيْنَهَا)؛ أَيْ: بَيْنَ الذَّنَبِ وَالرَّأْسِ بِعِظَامِهِ (وَلَا يَصِحُّ) السَّلَمُ (فِي لَحْمٍ طُبِخَ أَوْ لَحْمٍ شُوِيَ)؛ لِاخْتِلَافِهِ، وَيَصِحُّ فِي شُحُومٍ؛ كَلُحُومٍ، قِيلَ لِأَحْمَدَ: إنَّهُ يَخْتَلِفُ، فَقَالَ: كُلُّ سَلَفٍ يَخْتَلِفُ. (وَيَصِحُّ) السَّلَمُ (فِي مَذْرُوعِ ثِيَابٍ) وَخُيُوطٍ؛ (وَ) فِي (مَعْدُودِ حَيَوَانٍ، وَلَوْ) كَانَ الْمُسْلَمُ فِيهِ (آدَمِيًّا) وَ(لَا) يَصِحُّ اشْتِرَاطُ كَوْنِ حَيَوَانٍ مُسْلَمٍ فِيهِ (حَامِلًا)؛ لِأَنَّ الْحَمْلَ مَجْهُولٌ غَيْرُ مُحَقَّقٍ (أَوْ) كَوْنِهِ (لَبُونًا)؛ لِأَنَّهُ كَالْحَمْلِ، (أَوْ)؛ أَيْ: وَلَا يَصِحُّ سَلَمٌ فِي (أَمَةٍ وَوَلَدِهَا وَنَحْوِ عَمَّتِهَا؛) كَخَالَتِهَا؛ (لِنُدْرَةِ جَمْعِهِمَا فِي الصِّفَةِ، وَلَا) يَصِحُّ (فِي مَعْدُودِ فَوَاكِهَ؛ كَرُمَّانٍ) وَسَفَرْجَلٍ وَخَوْخٍ وَنَحْوِهَا؛ لِاخْتِلَافِهَا صِغَرًا وَكِبَرًا، (بَلْ) يَصِحُّ فِي (الْمَكِيلِ) مِنْهَا، كَرُطَبٍ، (وَ) فِي (الْمَوْزُونِ، كَعِنَبٍ)، كَسَائِرِ الْمَوْزُونَاتِ. (وَلَا) يَصِحُّ السَّلَمُ فِي (بُقُولٍ)؛ لِأَنَّهَا تَخْتَلِفُ، وَلَا يُمْكِنُ تَقْدِيرُهَا بِالْحَزْمِ، (وَ) لَا فِي (جُلُودٍ)؛ لِاخْتِلَافِ أَطْرَافِهَا وَلَا يُمْكِنُ زَرْعُهَا، (وَ) لَا (فِي رُءُوسٍ وَأَكَارِعَ)؛ لِأَنَّ أَكْثَرَهَا عِظَامٌ وَمَشَافِرُ، وَاللَّحْمُ فِيهَا قَلِيلٌ، وَلَيْسَتْ مَوْزُونَةً.
(وَ) لَا يَصِحُّ السَّلَمُ فِي (بِيضٍ)؛ لِاخْتِلَافِهِ كِبَرًا وَصِغَرًا، (وَ) لَا فِي (كُتُبٍ)؛ لِلِاخْتِلَافِ أَيْضًا (وَ) لَا فِي (أَوَانِي مُخْتَلِفَةٍ رُءُوسًا وَأَوْسَاطًا؛ كَقَمَاقِمَ) جَمْعِ قُمْقُمٍ بِضَمِّ الْقَافَيْنِ، (وَكَأَسْطَالٍ) ضَيِّقَةِ رُءُوسٍ؛ لِاخْتِلَافِهَا (وَلَا) يَصِحُّ (فِيمَا لَا يَنْضَبِطُ؛ كَجَوْهَرٍ وَعَقِيقٍ) وَلُؤْلُؤٍ وَمَرْجَانَ؛ لِأَنَّهَا تَخْتَلِفُ اخْتِلَافًا كَثِيرًا صِغَرًا وَكِبَرًا، وَحُسْنَ تَدْوِيرٍ وَزِيَادَةَ ضَوْءٍ وَصَفَاءً، وَلَا يُمْكِنُ تَقْدِيرُهَا بِبِيضِ عُصْفُورٍ وَنَحْوِهِ؛ لِأَنَّهُ يَخْتَلِفُ، وَلَا بِشَيْءٍ مُعَيَّنٍ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَتْلَفُ.
(وَ) (لَا فِي مَغْشُوشِ أَثْمَانٍ)؛ لِأَنَّ غِشَّهُ يَمْنَعُ الْعِلْمَ بِالْمَقْصُودِ مِنْهُ، وَلِمَا فِيهِ مِنْ الْغَرَرِ، (أَوْ يُجْمَعُ أَخْلَاطًا) مَقْصُودَةً (غَيْرَ مُتَمَيِّزَةٍ؛ كَمَعَاجِينَ) مُبَاحَةٍ، (وَ) لَا فِي (نُدُوِّ غَالِيَةٍ)- نَوْعٌ مِنْ الطِّيبِ مَرْكَبٌ مِنْ مِسْكٍ وَعَنْبَرٍ، وَعُودٍ، وَدُهْنٍ- لِعَدَمِ ضَبْطِهَا فِي الصِّفَةِ.
(وَ) لَا فِي (قِسِيٍّ) مُشْتَمِلَةٍ عَلَى الْخَشَبِ، وَالْعَصَبِ، وَالْعُرَى، (وَ) لَا (فِي تُرْسٍ) لِعَدَمِ انْضِبَاطِ مِقْدَارِهِ. (وَيَصِحُّ) السَّلَمُ (فِيمَا)؛ أَيْ: شَيْءٍ (فِيهِ لِمَصْلَحَةِ شَيْءٍ غَيْرِ مَقْصُودٍ؛ كَجُبْنٍ) فِيهِ إنْفَحَةٌ، (وَكَخُبْزٍ) فِيهِ مِلْحٌ أَوْ مَاءٌ، (وَكَخَلِّ تَمْرٍ) وَزَبِيبٍ فِيهِ مَاءٌ، (وكسكنجيل) فِيهِ خَلٌّ، (وَكَشَيْرَجٍ) فِيهِ مِلْحٌ؛ لِأَنَّ الْخَلْطَ يَسِيرٌ غَيْرُ مَقْصُودٍ بِالْمُعَاوَضَةِ لِمَصْلَحَةِ الْمَخْلُوطِ؛ فَلَمْ يُؤَثِّرْ.
(وَ) يَصِحُّ (فِيمَا يُجْمَعُ أَخْلَاطًا مُتَمَيِّزَةً؛ كَثَوْبٍ نُسِجَ مِنْ نَوْعَيْنِ) كَقُطْنٍ وَكَتَّانٍ، أَوْ إبْرَيْسَمٍ وَقُطْنٍ، (وَكَنُشَّابٍ وَنَبْلٍ مُرَيَّشَيْنِ، وَخِفَافٍ وَرِمَاحٍ متوزة)؛ أَيْ: مَصْنُوعَةٍ؛ لِإِمْكَانِ ضَبْطِهَا بِصِفَةٍ لَا يَخْتَلِفُ ثَمَنُهَا مَعَهَا غَالِبًا. (وَيَتَّجِهُ بِاحْتِمَالٍ) قَوِيٍّ أَنَّهُ (لَا) يَصِحُّ السَّلَمُ فِي (ثِيَابٍ مَخِيطَةٍ)؛ لِاخْتِلَافِهَا كِبَرًا وَصِغَرًا وَطُولًا وَعَرْضًا، وَالتَّفْصِيلُ وَالْخِيَاطَةُ تَخْتَلِفُ اخْتِلَافًا كُلِّيًّا. (وَلَا) فِي ثِيَابٍ (مَنْقُوشَةٍ) بِالطِّبَاعَةِ أَوْ التَّطْرِيزِ أَوْ الْحِيَاكَةِ؛ لِعَدَمِ انْضِبَاطِ عُرُوقِهَا كَثْرَةً وَقِلَّةً، وَصِنَاعَاتُهَا تَخْتَلِفُ اخْتِلَافًا لَا مَزِيدَ عَلَيْهِ. وَهُوَ مُتَّجِهٌ (وَ) يَصِحُّ السَّلَمُ (فِي أَثْمَانٍ) خَالِصَةٍ؛ لِأَنَّهَا تَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ ثَمَنًا، فَتَثْبُتُ سَلَمًا؛ كَعُرُوضٍ، (وَيَكُونُ رَأْسُ الْمَالِ غَيْرَهَا)؛ أَيْ: الْأَثْمَانِ؛ كَثَوْبٍ وَفَرَسٍ؛ لِئَلَّا يُفْضِيَ إلَى رِبَا النَّسِيئَةِ.
(وَ) يَصِحُّ (فِي فُلُوسٍ)، وَلَوْ نَافِقَةٍ وَزْنًا وَعَدَدًا عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، (وَيَكُونُ رَأْسُ مَالِهَا) أَيْ: الْفُلُوسِ (عَرْضًا، لَا أَثْمَانًا)؛ لِأَنَّهَا مُلْحَقَةٌ بِالنَّقْدَيْنِ هُنَا عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، (خِلَافًا لَهُ)؛ أَيْ: لِصَاحِبِ الْإِقْنَاعِ حَيْثُ صَحَّحَ فِيهَا السَّلَمَ عَدَدًا وَوَزْنًا. قَالَ: وَلَوْ كَانَ رَأْسُ مَالِهَا أَثْمَانًا، وَقَالَ: إنَّهُ أَصْوَبُ. وَيَصِحُّ السَّلَمُ (فِي عَرْضٍ بِعَرْضٍ)؛ كَتَمْرٍ فِي فَرَسٍ، وَحِمَارٍ فِي حِمَارٍ، وَ(لَا) يَصِحُّ (إنْ جَرَى بَيْنَهُمَا)؛ أَيْ: الْمُسْلَمِ فِيهِ وَرَأْسِ مَالِهِ (رِبًا) فِي إسْلَامٍ؛ (كَبُرٍّ فِي شَعِيرٍ، وَنُحَاسٍ فِي فُلُوسٍ)، وَزَيْتٍ فِي شَيْرَجٍ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى بَيْعِ مَكِيلٍ بِمَكِيلٍ، وَمَوْزُونٍ بِمَوْزُونٍ نَسِيئَةً. (وَمَنْ جِيءَ لَهُ بِعَيْنِ مَا أَسْلَمَهُ عِنْدَ مَحَلِّهِ)؛ أَيْ: السَّلَمِ؛ كَمَنْ أَسْلَمَ عَبْدًا صَغِيرًا فِي عَبْدٍ كَبِيرٍ إلَى عَشْرِ سِنِينَ، فَجَاءَهُ بِعَيْنِ الْعَبْدِ عِنْدَ الْحُلُولِ، وَقَدْ كَبِرَ وَاتَّصَفَ بِصِفَاتِ السَّلَمِ؛ (لَزِمَ) الْمُسْلِمَ (قَبُولُهُ)؛ لِاتِّصَافِهِ بِصِفَاتِ الْمُسْلَمِ فِيهِ؛ أَشْبَهَ مَا لَوْ جَاءَهُ بِغَيْرِهِ، وَلَا يَلْزَمُ عَلَيْهِ اتِّخَاذُ الثَّمَنِ وَالْمُثَمَّنِ؛ لِأَنَّ الثَّمَنَ فِي الذِّمَّةِ وَهَذَا عِوَضٌ عَنْهُ. وَمَحَلُّهُ (مَا لَمْ يَكُنْ حِيلَةً وَلِوَطْءٍ؛ كَمَا لَوْ أَسْلَمَ جَارِيَةً صَغِيرَةً فِي) جَارِيَةٍ (كَبِيرَةٍ) إلَى أَمَدٍ تَكْبَرُ فِيهِ، وَوَصَفَهَا، (فَلَمْ يَأْتِ الْأَجَلُ إلَّا وَهِيَ)؛ أَيْ: الْجَارِيَةُ (بِصِفَةِ مُسْلَمٍ فِيهِ)، وَهُوَ الْجَارِيَةُ الْكَبِيرَةُ، فَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ حِيلَةً لِيَنْتَفِعَ بِالْعَيْنِ، أَوْ يَسْتَمْتِعَ بِالْجَارِيَةِ، ثُمَّ يَرُدَّهَا بِغَيْرِ عِوَضٍ؛ لَمْ يَجُزْ؛ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ تَحْرِيمِ الْحِيَلِ. وَيَصِحُّ السَّلَمُ فِي السُّكَّرِ وَالْفَانِيذِ وَالدِّبْسِ وَنَحْوِهِ مِمَّا مَسَّتْهُ النَّارُ؛ لِأَنَّ عَمَلَ النَّارِ فِيهِ مَعْلُومٌ عَادَةً يُمْكِنُ ضَبْطُهُ بِالنِّشَافِ وَالرُّطُوبَةِ؛ أَشْبَهَ الْمُجَفَّفَ بِالشَّمْسِ. والفانيذ مُعَرَّبُ يانيد هُوَ ضَرْبٌ مِنْ الْحَلْوَى، قَالَهُ فِي السَّبْعَةِ أَبْحُر.

.[الشَّرْطُ الثَّانِي: ذِكْرُ مَا يَخْتَلِفُ بِهِ ثَمَنُهُ]:

الشَّرْطُ (الثَّانِي ذِكْرُ مَا يَخْتَلِفُ بِهِ) مِنْ صِفَاتٍ (ثَمَنُهُ) أَيْ: الْمُسْلَمِ فِيهِ غَالِبًا؛ لِأَنَّهُ عِوَضٌ فِي الذِّمَّةِ، فَاشْتُرِطَ الْعِلْمُ بِهِ؛ كَالثَّمَنِ، وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّ الِاخْتِلَافَ النَّادِرَ لَا أَثَرَ لَهُ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ ذِكْرِ الصِّفَاتِ فِي الْعَقْدِ أَوْ قَبْلَهُ؛ (كَنَوْعِ) الْمُسْلَمِ فِيهِ، وَهُوَ مُسْتَلْزِمٌ لِذِكْرِ جِنْسِهِ، (وَ) ذِكْرِ (قَدْرِ حَبٍّ)؛ كَصِغَارِ حَبٍّ أَوْ كِبَارِهِ، مُتَطَاوِلِ الْحَبِّ أَوْ مُدَوَّرِهِ، وَذِكْرِ (لَوْنٍ)؛ كَأَحْمَرَ أَوْ أَبْيَضَ (إنْ اخْتَلَفَ) ثَمَنُهُ بِذَلِكَ؛ لِيَتَمَيَّزَ بِالْوَصْفِ، وَذِكْرِ (بَلَدِهِ)؛ أَيْ: الْحَبِّ، فَيَقُولُ مِنْ بَلَدِ كَذَا؛ بِشَرْطِ أَنْ تَبْعُدَ الْآفَةُ فِيهَا، (وَ) ذِكْرِ (حَدَاثَتِهِ وُجُودَتِهِ أَوْ ضِدِّهِمَا)، فَيَقُولُ: حَدِيثٌ أَوْ قَدِيمٌ، جَيِّدٌ أَوْ رَدِيءٌ، وَيُبَيِّنُ قَدِيمَ سَنَةٍ أَوْ سَنَتَيْنِ وَنَحْوَهُ، وَيُبَيِّنُ كَوْنَهُ بِهِ شَعِيرٌ وَنَحْوُهُ أَوْ زَرْعِيٌّ، (وَ) ذِكْرِ (سِنِّ حَيَوَانٍ) وَيُرْجَعُ فِي سِنِّ رَقِيقٍ بَالِغٍ إلَيْهِ، وَإِلَّا فَقَوْلُ سَيِّدِهِ، وَإِنْ جَهِلَهُ؛ رُجِعَ إلَى قَوْلِ أَهْلِ الْخِبْرَةِ تَقْرِيبًا بِغَلَبَةِ الظَّنِّ، وَبِذِكْرِ نَوْعِهِ؛ كَضَأْنٍ أَوْ مَعْزٍ ثَنِيٍّ أَوْ جَذَعٍ (وَ) ذِكْرِ مَا يُمَيَّزُ بِهِ مُخْتَلِفُهُ؛ كَذَكَرٍ أَوْ سَمِينٍ أَوْ مَعْلُوفٍ [أَوْ] ضِدِّهَا؛ [كَأُنْثَى وَهَزِيلٍ وَرَاعٍ أَوْ مَعْلُوفٍ]، (وَذِكْرِ جِنْسٍ) مُسْلَمٍ فِيهِ فَيَقُولُ: تَمْرًا أَوْ حِنْطَةً، (وَ) ذِكْرِ (قَدْرٍ)؛ كَقَفِيزٍ أَوْ رِطْلٍ، وَذِكْرِ (جُودَةٍ)؛ كَحَرِيرٍ بَلَدِيٍّ، (وَ) ذِكْرِ (رَدَاءَةٍ) كَحَرِيرٍ حِصْنِيٍّ؛ (شَرْطٌ)- خَبَرُ قَوْلِهِ ذِكْرُ جِنْسٍ إلَى آخِرِهِ- (فِي كُلِّ مُسْلَمٍ فِيهِ)، مِنْ مَكِيلٍ أَوْ مَوْزُونٍ، (فَيَصِفُ التَّمْرَ بِنَوْعِهِ؛ كَبَرْنِيِّ أَوْ مَعْقِلِيٍّ، صَغِيرِ حَبٍّ أَوْ كَبِيرِهِ، وَ) يَصِفُهُ (بِذِكْرِ لَوْنِهِ إنْ اخْتَلَفَ) لَوْنُهُ، (كَأَحْمَرَ أَوْ أَسْوَدَ)، وَيُقَالُ لَهُ: الطبرزد، (وَ) يَصِفُهُ بِذِكْرِ (بَلَدِهِ، كَبَصْرِيٍّ أَوْ كُوفِيٍّ) أَوْ حِجَازِيٍّ، (وَ) بِذِكْرِ (قِدَمِهِ وَحَدَاثَتِهِ، فَإِنْ أَطْلَقَ الْعَتِيقَ)، فَلَمْ يُقَيِّدْهُ بِعَامٍ أَوْ أَكْثَرَ (أَجْزَأَ، أَيَّ عَتِيقٍ كَانَ)، لِتَنَاوُلِ الِاسْمِ لَهُ، (مَا لَمْ يَكُنْ مُسَوَّسًا أَوْ مُتَغَيِّرًا)؛ فَلَا يَلْزَمُ الْمُسْلِمَ قَبُولُهُ؛ لِأَنَّ الْإِطْلَاقَ يَقْتَضِي السَّلَامَةَ، (وَإِنْ شُرِطَ) فِي الْعَقْدِ (عَتِيقُ عَامٍ أَوْ عَامَيْنِ؛ فَهُوَ عَلَى مَا شُرِطَ)؛ لِوُقُوعِ الْعَقْدِ عَلَى ذَلِكَ، (وَيُذْكَرُ) تَمْرٌ (جَيِّدٌ)؛ كَبَرْنِيِّ (أَوْ رَدِيءٌ)؛ كَحَشْفٍ. (وَرُطَبٌ كَتَمْرٍ فِي هَذِهِ الْأَوْصَافِ)، إلَّا الْحَدِيثَ وَالْعَتِيقَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَأَتَّى فِيهِ ذَلِكَ (وَلَهُ) أَيْ: الْمُسْلِمِ فِي رُطَبٍ (مَا أَرْطَبَ كُلُّهُ)؛ لِانْصِرَافِ الِاسْمِ إلَيْهِ، وَ(لَا) يَأْخُذُ رُطَبًا (مُشَدَّخًا)؛ كَمُعَظَّمٍ بُسْرٌ يُغْمَرُ حَتَّى يَنْشَدِخَ، (وَلَا) يَلْزَمُ أَخْذُ (مَا قَارَبَ أَنْ يُتْمِرَ)؛ لِعَدَمِ تَنَاوُلِ الِاسْمِ لَهُ، (وَهَكَذَا)؛ أَيْ: كَالرُّطَبِ فِي هَذِهِ الْأَوْصَافِ (مَا يُشْبِهُهُ مِنْ عِنَبٍ وَفَوَاكِهَ) يَصِحُّ فِيهَا السَّلَمُ، (وَ) كَذَلِكَ (سَائِرُ الْأَجْنَاسِ) الَّتِي يُسْلَمُ فِيهَا. (وَلَا يَلْزَمُ أَخْذُ نَحْوِ تَمْرٍ)؛ كَزَبِيبٍ (إلَّا جَافًّا) الْجَفَافَ الْمُعْتَادَ (لَا أَنْ يَتَنَاهَى جَفَافُهُ)؛ فَلَا يَلْزَمُ ذَلِكَ الْمُسْلَمَ إلَيْهِ؛ لِمَا يَأْتِي مِنْ أَنَّهُ لَيْسَ لِلْمُسْلِمِ إلَّا أَقَلُّ مَا تَقَعُ عَلَيْهِ الصِّفَةُ. (وَيَصِفُ الْخُبْزَ بِنَوْعٍ كَخُبْزِ) [بُرٍّ] أَوْ شَعِيرٍ أَوْ ذُرَةٍ، مَعَ أَنَّهُ تَقَدَّمَ فِي بَابِ الرِّبَا أَنَّ خُبْزَ الْبُرِّ جِنْسٌ، وَخُبْزَ الشَّعِيرِ جِنْسٌ، فَفِي ظَاهِرِ كَلَامِهِ تَدَافُعٌ، وَيَذْكُرُ فِي وَصْفِهِ (نَشَافَتَهُ وَرُطُوبَتَهُ وَلَوْنَهُ كَحُوَّارَى)- بِضَمِّ الْحَاءِ وَتَشْدِيدِ الْوَاوِ وَفَتْحِ الرَّاءِ-، أَيْ: أَبْيَضَ خَالِصَ مِنْ النُّخَالَةِ، (وخشكار)؛ أَيْ: أَسْمَرَ، (وَ) لَا بُدَّ مِنْ وَصْفِ (جُودَةٍ وَرَدَاءَةٍ، وَيَصِفُ الْحِنْطَةَ بِالنَّوْعِ؛ كَسَلْمُونِيٍّ، وَالْبَلَدِ كَحُورَانِيٍّ وَبِقَاعِيٍّ)، إذَا كَانَ بِالشَّامِ وَبَحِيرِيٍّ إذَا كَانَ بِمِصْرَ، (وَبِالْقَدْرِ، كَصَغِيرِ حَبٍّ أَوْ كَبِيرِهِ، وَحَدِيثٍ أَوْ عَتِيقٍ، وَإِنْ كَانَ النَّوْعُ الْوَاحِدُ يَخْتَلِفُ لَوْنُهُ ذَكَرَهُ)؛ لَمَا تَقَدَّمَ، (وَلَا يُسْلَمُ فِيهِ)؛ أَيْ: الْبُرِّ (إلَّا مُصَفًّى) مِنْ تِبْنِهِ وَعُقَدِهِ، (وَكَذَلِكَ الشَّعِيرُ وَالْقُطْنِيَّاتُ وَسَائِرُ الْحُبُوبِ)، فَيَضْمَنُهَا بِأَوْصَافِ الْبُرِّ. (وَيَلْزَمُ) مُسْلَمًا إلَيْهِ (دَفْعُ حَبٍّ) مُسْلَمٍ فِيهِ (بِلَا تِبْنٍ، وَ) لَا (عُقَدٍ فَإِنْ كَانَ بِهِ) أَيْ: الْحَبِّ (نَحْوُ تُرَابٍ يَأْخُذُ مَوْضِعًا مِنْ الْمِكْيَالِ؛ لَمْ يَجُزْ، وَإِلَّا)؛ بِأَنْ كَانَ فِيهِ تُرَابٌ يَسِيرٌ لَا يَأْخُذُ مَوْضِعًا مِنْ الْمِكْيَالِ؛ (لَزِمَ) مُسْلِمًا (أَخْذُهُ)؛ لِأَنَّ الْحُبُوبَ لَا تَخْلُو مِنْ يَسِيرِ التُّرَابِ غَالِبًا، (وَيَصِفُ الْعَسَلَ بِالْبَلَدِ)؛ كَمِصْرِيٍّ وَثَقَفِيٍّ وَحَلَبُونِيٍّ، (وَرَبِيعِيٌّ أَوْ صَيْفِيٌّ، أَبْيَضُ أَوْ أَشْقَرُ أَوْ أَسْوَدُ)، جَيِّدٌ أَوْ رَدِيءٌ وَلَيْسَ لَهُ إلَّا مُصَفًّى مِنْ الشَّمْعِ، (وَيَصِفُ السَّمْنَ بِالنَّوْعِ، كَمِنْ ضَأْنٍ) أَوْ مَعْزٍ أَوْ بَقَرٍ أَوْ جَامُوسٍ، (وَ) يَصِفُهُ (بِاللَّوْنِ، كَأَبْيَضَ) أَوْ أَصْفَرَ، وَجَيِّدٍ أَوْ رَدِيءٍ. (قَالَ الْقَاضِي: وَيَذْكُرُ الْمَرْعَى، وَلَا يُحْتَاجُ لِذِكْرِ عَتِيقٍ أَوْ حَدِيثٍ؛ لِأَنَّ الْإِطْلَاقَ يَقْتَضِي الْحَدِيثَ، وَلَا يَصِحُّ السَّلَمُ فِي عَتِيقِهِ)؛ أَيْ: السَّمْنِ؛ (لِأَنَّهُ عَيْبٌ، وَلَا يَنْتَهِي إلَى حَدٍّ يُضْبَطُ بِهِ، وَيَصِفُ الزُّبْدَ؛ كَالسَّمْنِ)؛ أَيْ: بِأَوْصَافِ السَّمْنِ، (وَيَزِيدُ) عَلَى وَصْفِ السَّمْنِ (زُبْدَ يَوْمِهِ، أَوْ) زُبْدَ (أَمْسَهُ). (وَلَا يَلْزَمُهُ)؛ أَيْ: الْمُسْلِمَ (قَبُولُ مُتَغَيِّرٍ مِنْ سَمْنٍ وَزُبْدٍ)، وَلَا قَبُولُ سَمْنٍ أَوْ زُبْدٍ رَقِيقٍ إلَّا أَنْ تَكُونَ رِقَّتُهُمَا مِنْ الْحَرِّ، (وَيَصِفُ اللَّبَنَ بِنَوْعٍ وَمَرْعًى، وَلَا يُحْتَاجُ لِلَّوْنِ)؛ لِعَدَمِ اخْتِلَافِهِ، وَلَا إلَى كَوْنِهِ (حَلِيبَ يَوْمِهِ؛ لِأَنَّ إطْلَاقَهُ يَقْتَضِي ذَلِكَ)، فَإِنْ ذَكَرَ كَانَ مُؤَكِّدًا. وَلَا يَلْزَمُهُ قَبُولُ لَبَنٍ مُتَغَيِّرٍ بِنَحْوِ حُمُوضَةٍ؛ لِأَنَّ الْإِطْلَاقَ يَقْتَضِي السَّلَامَةَ. (وَيَصِحُّ السَّلَمُ فِي الْمَخِيضِ نَصًّا)؛ لِأَنَّ مَا فِيهِ مِنْ الْمَاءِ يَسِيرٌ لِمَصْلَحَتِهِ، وَجَرَتْ الْعَادَةُ بِهِ، فَهُوَ كَالْمِلْحِ فِي الْجُبْنِ. (وَيَصِفُ الْجُبْنَ بِنَوْعٍ وَمَرْعًى، وَرَطْبٍ، أَوْ يَابِسٍ)، جَيِّدٍ أَوْ رَدِيءٍ.
(وَ) يَصِفُ (اللِّبَأَ) كَمَا يَصِفُ (اللَّبَنَ)؛ أَيْ: بِالنَّوْعِ وَالْمَرْعَى، (وَيَزِيدُ) ذِكْرَ (اللَّوْنِ وَالطَّبْخِ أَوْ عَدَمِهِ، وَيُسْلِمُ فِيهِ)؛ أَيْ: اللِّبَأِ (وَزْنًا)؛ لِأَنَّهُ يَجْمُدُ عَقِبَ حَلْبِهِ، فَلَا يَتَحَقَّقُ فِيهِ الْكَيْلُ. (وَيَصِفُ الْحَيَوَانَ مُطْلَقًا) آدَمِيًّا كَانَ أَوْ غَيْرِهِ (بِالنَّوْعِ وَالسِّنِّ وَالذُّكُورَةِ وَضِدِّهَا)- وَهِيَ الْأُنُوثَةُ- (فَإِنْ كَانَ) الْحَيَوَانُ الْمُسْلَمُ فِيهِ (رَقِيقًا ذَكَرَ نَوْعَهُ؛ كَتُرْكِيٍّ) وَزِنْجِيٍّ، (وَ) ذَكَرَ (سِنَّهُ، وَيُرْجَعُ فِي سِنِّ الْغُلَامِ)، وَكَذَا الْجَارِيَةُ (إلَيْهِ إنْ كَانَ بَالِغًا)؛ لِأَنَّهُ أَدْرَى بِهِ مِنْ غَيْرِهِ، (وَإِلَّا) بِأَنْ لَمْ يَكُنْ بَالِغًا، فَيُرْجَعُ إلَى (قَوْلِ سَيِّدِهِ) فِي قَدْرِ سِنِّهِ؛ لِأَنَّ قَوْلَ الصَّغِيرِ غَيْرُ مُعْتَدٍّ بِهِ، (وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ) سَيِّدُهُ سِنَّهُ، فَيُرْجَعُ إلَى (قَوْلِ أَهْلِ الْخِبْرَةِ عَلَى مَا يَغْلِبُ عَلَى ظَنِّهِمْ تَقْرِيبًا)؛ لِعَدَمِ الْقُدْرَةِ عَلَى الْيَقِينِ، (وَيُعْتَبَرُ ذِكْرُ طُولِ) رَقِيقٍ؛ (كَخُمَاسِيٍّ أَوْ سُدَاسِيٍّ، يَعْنِي خَمْسَةَ أَشْبَارٍ أَوْ سِتَّةً، أَسْوَدَ أَوْ أَبْيَضَ، أَعْجَمِيٍّ أَوْ فَصِيحٍ، وَ) الْجَارِيَةُ (كَحْلَاءَ وَدَعْجَاءَ)- وَالْكَحَلُ مُحَرَّكٌ: سَوَادُ الْعَيْنِ مَعَ سِعَتِهَا وَالدَّعَجُ سَوَادٌ يَعْلُو الْأَجْفَانَ خِلْقَةً مَوْضِعَ الْكُحْلِ- (وَتَكَلْثُمِ وَجْهٍ)؛ أَيْ: اسْتِدَارَتِهِ، (وَبَكَارَةٍ وَثُيُوبَةٍ، وَنَحْوِهَا، وَيَذْكُرُ كَوْنَ الْجَارِيَةِ خَمِيصَةً ثَقِيلَةَ الْأَرْدَافِ [أَوْ] سَمِينَةً، وَنَحْوَ ذَلِكَ مِمَّا يُقْصَدُ، وَلَا يُشَدِّدُ) فِي الْأَوْصَافِ بِحَيْثُ يَنْتَهِي إلَى عِزَّةِ الْوُجُودِ، (فَإِنْ اسْتَقْصَى الصِّفَاتِ حَتَّى انْتَهَى إلَى حَالٍ يَنْدُرُ وُجُودُ مُسْلَمٍ فِيهِ بِتِلْكَ الصِّفَاتِ؛ بَطَلَ) السَّلَمُ؛ لِأَنَّ شَرْطَهُ أَنْ يَكُونَ عَامَّ الْوُجُودِ عِنْدَ الْحُلُولِ، وَاسْتِقْصَاءُ الصِّفَاتِ يَمْنَعُ مِنْهُ؛ كَمَا يَبْطُلُ السَّلَمُ بِقَوْلِهِ: أَسْلَمْتُكَ (فِي مِثْلِ هَذَا الثَّوْبِ وَنَحْوِهِ)؛ لِعَدَمِ الضَّبْطِ. (وَلَا يُحْتَاجُ فِي) وَصْفِ (شَعْرِ الْجَارِيَةِ) الْمُسْلَمِ فِيهَا لِقَوْلِهِ: ذَاتُ شَعْرٍ (جَعْدٍ أَوْ سَبْطٍ، أَوْ أَسْوَدَ أَوْ أَشْقَرَ)؛ لِأَنَّهُ [لَا] يَخْتَلِفُ بِهِ الثَّمَنُ اخْتِلَافًا بَيِّنًا؛ (كَمَا لَا تُرَاعَى صِفَاتُ حُسْنٍ وَمَلَاحَةٍ)؛ لِأَنَّهُ لَا يَخْتَلِفُ بِهَا اخْتِلَافًا ظَاهِرًا، (فَإِنْ ذَكَرَ) الْمُسْلَمُ إلَيْهِ شَيْئًا مِنْ (ذَلِكَ)، وَعَقَدَ عَلَيْهِ؛ (لَزِمَ) الْوَفَاءُ بِهِ. (وَيَصِفُ الْإِبِلَ بِالنِّتَاجِ؛ كَمِنْ نِتَاجِ بَنِي فُلَانٍ، وَاللَّوْنِ؛ كَبِيضٍ وَحُمْرٍ)، وَبِالسِّنِّ؛ كَبِنْتِ مَخَاضٍ أَوْ لَبُونٍ أَوْ حِقَّةٍ، وَبِالذُّكُورَةِ وَالْأُنُوثَةِ. (وَأَوْصَافُ الْخَيْلِ كَإِبِلٍ). (وَتُنْسَبُ بِغَالٌ وَحَمِيرٌ لِبَلَدِهَا)؛ كَشَامِيٍّ وَمِصْرِيٍّ وَيَمَنِيٍّ، لِأَنَّهَا لَا تُنْسَبُ لِنِتَاجٍ. (وَالْبَقَرُ وَالْغَنَمُ إنْ عُرِفَ لَهَا نِتَاجٌ نُسِبَتْ إلَيْهِ)؛ كَبَلَدِيٍّ وَجَبَلِيٍّ، إذَا كَانَ بِالشَّامِ، (وَإِلَّا) يُعْرَفْ لَهَا [نِتَاجٌ]؛ (فَكَحَمِيرٍ) تُنْسَبُ إلَى بَلَدِهَا. (وَلَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ نَوْعِ) هَذِهِ الْحَيَوَانَاتِ؛ كَأَنْ يَقُولَ فِي وَصْفِ (إبِلٍ بُخْتِيَّةٍ أَوْ عَرَابِيَّةٍ، وَ) فِي وَصْفِ (خَيْلٍ عَرَبِيَّةٍ أَوْ هَجِينٍ أَوْ بِرْذَوْنٍ)، وَتَقَدَّمَ مَعْنَاهَا فِي قِسْمَةِ الْغَنِيمَةِ، (وَ): يَقُولُ فِي وَصْفِ (غَنَمٍ ضَأْنٍ أَوْ مَعْزٍ، إلَّا الْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ فَلَا أَنْوَاعَ فِيهِمَا) غَالِبًا. (وَيَصِفُ غَزْلَ قُطْنٍ وَ) غَزْلَ (كَتَّانٍ بِبَلَدٍ وَلَوْنٍ، وَرِقَّةٍ، وَنُعُومَةٍ وَخُشُونَةٍ، وَيَصِفُ الْقُطْنَ بِذَلِكَ)؛ أَيْ: بِالْبَلَدِ وَاللَّوْنِ، (وَيَجْعَلُ مَكَانَ غِلَظٍ وَدِقَّةٍ طَوِيلَ شَعْرَةٍ أَوْ قَصِيرَهَا، وَإِنْ شَرَطَ فِيهِ مَنْزُوعَ الْحَبِّ؛ جَازَ)، وَلَهُ شَرْطُهُ، (وَإِنْ أَطْلَقَ كَانَ لَهُ) الْقُطْنُ (بِحَبِّهِ؛ كَالتَّمْرِ بِنَوَاهُ). (وَيَصِفُ الْإِبْرَيْسَمَ بِبَلَدٍ وَلَوْنٍ وَغِلَظٍ وَدِقَّةٍ).
(وَ) يَصِفُ (الصُّوفَ بِبَلَدٍ وَلَوْنٍ وَطَوِيلِ شَعْرِهِ وَقَصِيرِهِ، وَ) يَصِفُهُ بِزَمَانٍ؛ كَقَوْلِهِ: (خَرِيفِيٌّ أَوْ رَبِيعِيٌّ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى)، وَفِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ احْتِمَالُ أَنَّهُ لَا يُحْتَاجُ إلَى ذِكْرِ الذُّكُورَةِ وَالْأُنُوثَةِ؛ لِأَنَّ التَّفَاوُتَ فِيهِ يَسِيرٌ. (وَعَلَيْهِ)؛ أَيْ: الْمُسْلَمِ إلَيْهِ (تَسْلِيمُهُ)؛ أَيْ: الصُّوفِ (نَقِيًّا مِنْ شَوْكٍ وَبَعْرٍ)، وَلَمْ يُشْتَرَطْ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ مُقْتَضَى الْإِطْلَاقِ، (وَكَذَا شَعْرٌ وَوَبَرٌ)، فَيُوصَفَانِ بِأَوْصَافِ الصُّوفِ، وَيُسْلَمَانِ نَقِيَّيْنِ مِنْ الشَّوْكِ وَالْبَعْرِ، وَإِنْ لَمْ يُشْتَرَطْ. (وَيَصِفُ الثِّيَابَ) إذَا أَسْلَمَ فِيهَا (بِنَوْعٍ وَقُطْنٍ) وَكَتَّانٍ وَصُوفٍ وَحَرِيرٍ (وَ) يَصِفُهُ (بِبَلَدٍ؛ كَبَغْدَادِيٍّ) وَشَامِيٍّ وَمِصْرِيٍّ (وَ) يَصِفُهُ (بِطُولٍ وَعَرْضٍ، وَصَفَاقَةٍ وَرِقَّةٍ، وَغِلَظٍ وَنُعُومَةٍ وَخُشُونَةٍ، وَلَا يَذْكُرُ الْوَزْنَ فَإِنْ ذَكَرَهُ؛ لَمْ يَصِحَّ) السَّلَمُ؛ لِنُدْرَةِ جَمْعِ الْأَوْصَافِ مَعَ الْوَزْنِ، (وَإِنْ ذَكَرَ) فِي الْوَصْفِ الْخَامَ (أَوْ الْمَقْصُودَ؛ فَلَهُ شَرْطُهُ)، وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْهُ جَازَ؛ لِأَنَّ الثَّمَنَ لَا يَخْتَلِفُ بِذَلِكَ، (وَمَعَ الْإِطْلَاقِ فَلَهُ خَامٌ)؛ لِأَنَّهُ الْأَصْلُ. (وَإِنْ ذَكَرَ) فِي وَصْفِ الثَّوْبِ (مَغْسُولًا أَوْ لَبِيسًا؛ لَمْ يَصِحَّ) السَّلَمُ؛ لِأَنَّ اللُّبْسَ يَخْتَلِفُ، وَلَا يَنْضَبِطُ، (وَإِنْ أَسْلَمَ فِي مَصْبُوغٍ مِمَّا يُصْبَغُ غَزْلُهُ؛ صَحَّ) السَّلَمُ؛ لِأَنَّهُ مَضْبُوطٌ، وَ(لَا) يَصِحُّ (فِيمَا يُصْبَغُ بَعْدَ نَسْجِهِ)؛ لِأَنَّ الصَّبْغَ لَا يَنْضَبِطُ، وَلِأَنَّ صَبْغَ الثَّوْبِ يَمْنَعُ الْوُقُوفَ عَلَى نُعُومَتِهِ وَخُشُونَتِهِ. [وَإِنْ أَسْلَمَ] (فِي) ثَوْبٍ (مُخْتَلِفِ غَزْلٍ)؛ أَيْ: مِنْ نَوْعَيْنِ فَأَكْثَرَ؛ (كَقُطْنٍ وَكَتَّانٍ أَوْ) قُطْنٍ و(إبْرَيْسَمٍ)، أَوْ قُطْنٍ وَصُوفٍ وَكَتَّانٍ (وَكَانَ الْغَزْلُ) مِنْ كُلِّ نَوْعٍ (مَضْبُوطًا)، كَكَوْنِ (السُّدَى) مِنْ (إبْرَيْسَمٍ وَاللُّحْمَةِ مِنْ كَتَّانِ أَوْ نَحْوِهِ)؛ كَقُطْنٍ وَصُوفٍ؛ (صَحَّ) السَّلَمُ؛ لِلْعِلْمِ بِالسَّلَمِ فِيهِ، وَإِلَّا لَمْ يَصِحَّ. (وَيَصِفُ الْكَاغَدَ بِطُولٍ وَعَرْضٍ، وَدِقَّةٍ وَغِلَظٍ وَاسْتِوَاءِ صَنْعَةٍ)، وَلَا يَضُرُّ اخْتِلَافٌ يَسِيرٌ جِدًّا فِي دِقَّةٍ وَغِلَظٍ؛ لِعُسْرِ التَّحَرُّزِ عَنْ ذَلِكَ. (وَيَصِفُ نَحْوَ نُحَاسٍ)- بِضَمِّ النُّونِ- (وَرَصَاصٍ)- بِفَتْحِ الرَّاءِ- (بِنَوْعٍ؛ كَرَصَاصٍ قَلْعِيٍّ أَوْ أُسْرُبٍ)- وَالْقَلْعِيُّ مَنْسُوبٌ إلَى بَلَدٍ بِالْهِنْدِ أَوْ بِالْأَنْدَلُسِ- وَالْأُسْرُبُّ كَقُنْفُذٍ الْآنُكُ. قَالَهُ فِي الْقَامُوسِ، (وَ) يَصِفُهُ (بِنُعُومَةٍ وَخُشُونَة، وَلَوْنٍ إنْ كَانَ يَخْتَلِفُ) لَوْنُهُ، (وَيَزِيدُ) فِي وَصْفِ (حَدِيدٍ بِذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى، فَإِنَّ الذَّكَرَ أَحَدُّ) وَأَمْضَى مِنْ الْأُنْثَى، (وَيَصِفُ السَّيْفَ بِنَوْعِ حَدِيدٍ، وَ) ضَبْطِ (طُولِهِ وَعَرْضِهِ، وَبَلَدِهِ وَقِدَمِهِ)؛ أَيْ: قَدِيمِ الطَّبْعِ أَوْ حَدِيثِهِ (مَاضٍ أَوْ غَيْرِهِ، وَيَصِفُ قَبِيعَتَهُ) وَقِرَابَهُ. (وَيَصِفُ خَشَبَ بِنَاءٍ بِذِكْرِ نَوْعٍ، كَجَوْزٍ وَحَوَرٍ، وَرُطُوبَةٍ وَيُبْسٍ، وَطُولٍ وَدَوْرٍ) إنْ كَانَ مُدَوَّرًا (أَوْ سُمْكٍ وَعَرْضٍ) إنْ لَمْ يَكُنْ مُدَوَّرًا، (وَيَلْزَمُ دَفْعُهُ)؛ أَيْ الْخَشَبِ (كُلِّهِ)؛ أَيْ: مِنْ طَرَفِهِ إلَى طَرَفِهِ (كَذَلِكَ)؛ أَيْ: بِالْعَرْضِ وَالدَّوْرِ الْمَوْصُوفَيْنِ، (فَإِنْ كَانَ أَحَدُ طَرَفَيْهِ أَغْلَظَ مِمَّا وَصَفَ لَهُ) وَالْآخَرُ كَمَا وَصَفَ؛ (فَقَدْ زَادَهُ خَيْرًا)، وَيَلْزَمُهُ قَبُولُهُ، (وَإِلَّا)؛ بِأَنْ كَانَ أَحَدُ الطَّرَفَيْنِ أَدَقَّ مِمَّا وَصَفَ لَهُ؛ (لَمْ يَلْزَمْهُ قَبُولُهُ)؛ لِأَنَّهُ دُونَ مَا أَسْلَمَ فِيهِ، (وَإِنْ ذَكَرَ الْوَزْنَ)؛ أَيْ: وَزْنَ الْخَشَبِ، أَوْ كَوْنَهُ سَمْحًا أَوْ لَمْ يَذْكُرْ ذَلِكَ؛ (جَازَ) السَّلَمُ وَصَحَّ، وَلَهُ سَمْحٌ، أَيْ: خَالٍ مِنْ الْعُقَدِ؛ لِأَنَّهُ؛ مُقْتَضَى الْإِطْلَاقِ، (وَإِنْ كَانَ) الْخَشَبُ الْمُسْلَمُ فِيهِ (لِلْقِسِيِّ ذَكَرَ هَذِهِ الْأَوْصَافَ، وَزَادَ سَهْلِيًّا أَوْ جَبَلِيًّا)، أَوْ خُوطًا؛ أَيْ: قَضِيبًا، أَوْ فَلَقَةً؛ فَإِنَّ الْجَبَلِيَّ أَقْوَى مِنْ السَّهْلِيِّ، وَالْخُوطَ أَقْوَى مِنْ الْفَلَقَةِ (وَيَصِفُ حَطَبَ وُقُودٍ بِغِلَظٍ) وَدِقَّةٍ، (وَيُبْسٍ وَرُطُوبَةٍ، وَوَزْنٍ، وَ) يَصِفُ (مَا) يُرِيدُهُ (لِلنَّصَبِ بِغِلَظٍ وَضِدِّهِ)؛ أَيْ: دِقَّةٍ (وَسَائِرَ مَا يُحْتَاجُ لِمَعْرِفَتِهِ) مِنْ نَوْعٍ وَأَرْضٍ وَغَيْرِهِمَا. (وَيَصِفُ نَحْوَ نُشَّابٍ وَنَبْلٍ بِنَوْعِ خَشَبِهِ، وَطُولٍ وَقِصَرٍ، وَدِقَّةٍ وَغِلَظٍ، وَلَوْنٍ وَنَصْلٍ وَرِيشٍ). (وَيَصِفُ نَحْوَ قِصَاعٍ وَأَقْدَاحٍ) مِنْ خَشَبٍ (بِذِكْرِ نَوْعِ خَشَبٍ)، فَيَقُولُ: مِنْ جَوْزٍ أَوْ تُوتٍ أَوْ نَحْوِهِ، (وَقَدْرٍ) مِنْ (صِغَرٍ وَكِبَرٍ، وَعُمْقٍ وَضِيقٍ، وَثَخَانَةٍ وَرِقَّةٍ)، وَيَصِفُ الْأَوَانِيَ الْمُتَسَاوِيَةَ الرُّءُوسِ وَالْأَوْسَاطِ بِقَدْرٍ مِنْ كِبَرٍ وَصِغَرٍ، وَطُولٍ، وَسُمْكٍ وَدَوْرٍ؛ كَالْأَسْطَالِ الْقَائِمَةِ الْحِيطَانِ. (وَيَصِفُ حَجَرَ رَحًى بِدَوْرٍ وَثَخَانَةٍ، وَبَلَدٍ وَنَوْعٍ إنْ كَانَ يَخْتَلِفُ).
(وَ) يَصِفُ (حَجَرَ بِنَاءٍ بِلَوْنٍ، وَقَدْرٍ وَنَوْعٍ وَوَزْنٍ،) وَيَصِفُ حِجَارَةَ الْآنِيَةِ بِالنَّوْعِ وَاللَّوْنِ وَاللِّينِ، وَالْقَدْرِ وَالْوَزْنِ، (وَيَصِفُ الْآجُرَّ وَاللَّبِنَ بِمَوْضِعِ تُرْبَةٍ وَلَوْنٍ، وَدَوْرٍ وَثَخَانَةٍ). (وَيَصِفُ الْجِصَّ وَالنُّورَةَ بِلَوْنٍ وَوَزْنٍ) هَكَذَا فِي الْمُغْنِي وَالْمُبْدِعِ وَالْإِقْنَاعِ وَغَيْرِهِمْ، وَتَقَدَّمَ فِي الرِّبَا أَنَّهُمَا مِنْ الْمَكِيلَاتِ، وَقَالَهُ فِي الْإِنْصَافِ هُنَاكَ، وَعَلَيْهِ فَيُبَدَّلُ الْوَزْنُ بِالْكَيْلِ، (وَلَا يَقْبَلُ) الْمُسْلِمُ مِنْ الْجِصِّ وَالنُّورَةِ (مَا أَصَابَهُ الْمَاءُ فَجَفَّ)؛ لِذَهَابِ الْمَقْصُودِ مِنْهُمَا (وَلَا) يَقْبَلُ أَيْضًا مِنْهُمَا (قَدِيمًا بِمَا يُؤَثِّرُ فِيهِ) الْقِدَمُ تَغْيِيرًا. (وَيَصِفُ الْبَلُّورَ بِأَوْصَافِهِ) الْمَعْلُومَةِ لَهُ.
(وَ) يَصِفُ (الْعَنْبَرَ بِلَوْنٍ وَوَزْنٍ وَبَلَدٍ، وَإِنْ شَرَطَهُ قِطْعَةً أَوْ قِطْعَتَيْنِ) أَوْ أَكْثَرَ؛ (جَازَ)، وَلَهُ شَرْطُهُ، (وَإِلَّا) يَشْرِطْهُ كَذَلِكَ؛ (فَلَهُ)؛ أَيْ: الْمُسْلَمِ إلَيْهِ (إعْطَاؤُهُ صِغَارًا) بِالْوَزْنِ. (وَيَصِفُ الْعُودَ الْهِنْدِيَّ بِبَلَدِهِ، وَمَا يُعْرَفُ بِهِ وَ) يَصِفُ (الْمِسْكَ وَنَحْوَهُ مِمَّا يَخْتَلِفُ بِهِ الثَّمَنُ، وَاللُّبَانَ وَالْمُصْطَكَى، وَصَمْغَ الشَّجَرِ) بِاللَّوْنِ وَالْبَلَدِ وَمَا يَخْتَلِفُ بِهِ.
(وَ) يَصِفُ (السُّكَّرَ وَالدِّبْسَ وَسَائِرَ مَا يَجُوزُ السَّلَمُ فِيهِ بِمَا يَخْتَلِفُ بِهِ) الثَّمَنُ. وَمَا لَا يَخْتَلِفُ بِهِ الثَّمَنُ لَا يُحْتَاجُ إلَى ذِكْرِهِ (وَلَا يَصِحُّ شَرْطُهُ أَجْوَدَ أَوْ أَرْدَأَ)؛ لِتَعَذُّرِ الْوُصُولِ إلَيْهِ إلَّا نَادِرًا؛ إذْ مَا مِنْ جَيِّدٍ إلَّا وَيُحْتَمَلُ أَجْوَدُ مِنْهُ وَلَا رَدِيءٍ إلَّا وَيُحْتَمَلُ أَرْدَأُ مِنْهُ. (وَلِمُسْلِمٍ أَخْذُ دُونَ مَا وَصَفَ) لَهُ، (وَ) لَهُ أَيْضًا أَخْذُ (غَيْرِ نَوْعِهِ)؛ أَيْ: الْمُسْلَمِ فِيهِ إذَا كَانَ (مِنْ جِنْسِهِ)؛ كَتَمْرٍ مَعْقِلِيٍّ عَنْ إبْرَاهِيمِيٍّ وَعَكْسِهِ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُ، وَقَدْ رَضِيَ بِدُونِهِ، وَمَعَ اتِّحَادِهِمَا فِي الْجِنْسِ هُمَا كَالشَّيْءِ الْوَاحِدِ، بِدَلِيلِ تَحْرِيمِ التَّفَاضُلِ، وَلَا يَلْزَمُ الْمُسْلِمَ أَخْذُ دُونَ مَا وَصَفَ لَهُ، وَلَا أَخْذُ نَوْعٍ آخَرَ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ الْمُسْلَمِ فِيهِ، وَلَا يُجْبَرُ عَلَى إسْقَاطِ حَقِّهِ، وَإِنْ جَاءَ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ بِجِنْسٍ آخَرَ؛ بِأَنْ اسْتَلَمَ فِي بُرٍّ فَجَاءَ بِأُرْزٍ أَوْ شَعِيرٍ؛ لَمْ يَجُزْ لِلْمُسْلِمِ أَخْذُهُ؛ لِحَدِيثِ: «مَنْ أَسْلَمَ فِي شَيْءٍ فَلَا يَصْرِفْهُ فِي غَيْرِهِ» رَوَاه أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ (وَيَلْزَمُهُ)؛ أَيْ: الْمُسْلِمَ إنْ جَاءَهُ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ بِأَجْوَدَ مِمَّا وَصَفَ لَهُ (أَخْذُ أَجْوَدَ مِنْهُ) إذَا كَانَ (مِنْ نَوْعِهِ)؛ أَيْ: نَوْعِ مَا أَسْلَمَهُ فِيهِ لِأَنَّهُ جَاءَهُ بِمَا تَنَاوَلَهُ الْعَقْدُ وَزَادَهُ نَفْعًا، وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ أَخْذُهُ مِنْ غَيْرِ نَوْعِهِ، وَلَوْ أَجْوَدَ كَضَأْنٍ عَنْ مَعْزٍ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ تَنَاوَلَ مَا وَصَفَاهُ عَلَى شَرْطَيْهِمَا، وَالنَّوْعُ صِفَةٌ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ فَاتَ غَيْرَهُ مِنْ الصِّفَاتِ، فَإِنْ رَضِيَا؛ جَازَ؛ كَمَا تَقَدَّمَ. (وَيَجُوزُ لِمُسْلِمٍ رَدُّ) سَلَمٍ (مَعِيبٍ) أَخَذَهُ غَيْرَ عَالَمٍ بِعَيْبِهِ، وَيَطْلُبُ بَدَلَهُ، (وَ) لَهُ (أَخْذُ أَرْشِهِ) مَعَ؛ إمْسَاكِهِ؛ كَمَبِيعٍ غَيْرِ سَلَمٍ.
(وَ) لِمُسْلَمٍ إلَيْهِ أَخْذُ (عِوَضِ زِيَادَةِ قَدْرٍ دُفِعَتْ)؛ كَمَا لَوْ أَسْلَمَ إلَيْهِ فِي قَفِيزٍ فَجَاءَهُ بِقَفِيزَيْنِ. لِجَوَازِ إفْرَادِ هَذِهِ الزِّيَادَةِ بِالْبَيْعِ، وَ(لَا) يَجُوزُ لَهُ أَخْذُ (عِوَضِ جُودَةٍ) إنْ جَاءَهُ بِأَجْوَدَ مِمَّا عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْجُودَةَ صِفَةٌ لَا يَجُوزُ إفْرَادُهَا بِالْمَبِيعِ، (وَلَا) أَخْذُ عِوَضِ (نَقْصِ رَدَاءَةٍ)، لَوْ جَاءَهُ بِأَرْدَأ؛ لِمَا سَبَقَ. (وَلَيْسَ لِمُسْلِمٍ إلَّا أَقَلُّ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ الصِّفَةُ) الَّتِي عَقَدَ عَلَيْهَا، فَإِذَا أَتَاهُ بِهِ لَا يَطْلُبُ مِنْهُ أَعْلَى مِنْهُ، لِأَنَّهُ أَتَاهُ بِمَا تَنَاوَلَهُ الْعَقْدُ فَبَرِئَتْ ذِمَّتُهُ مِنْهُ.

.[الشَّرْطُ الثَّالِثُ: ذِكْرُ قَدْرِ كَيْلٍ فِي مَكِيلٍ]:

الشَّرْطُ (الثَّالِثُ ذِكْرُ) قَدْرِ (كَيْلٍ فِي مَكِيلٍ) (وَ) قَدْرُ (وَزْنٍ فِي مَوْزُونٍ)، (وَ) قَدْرِ (ذَرْعٍ فِي مَذْرُوعٍ مُتَعَارَفٍ)؛ أَيْ: الْمِكْيَالِ وَالرِّطْلِ مَثَلًا وَالذِّرَاعِ (أَوْ) قَدْرِ (عَدٍّ فِي مَعْدُودٍ)؛ لِحَدِيثِ: «مَنْ أَسْلَفَ فِي شَيْءٍ فَلْيُسْلِفْ فِي كَيْلٍ مَعْلُومٍ وَوَزْنٍ مَعْلُومٍ إلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ» وَلِأَنَّهُ عِوَضٌ فِي الذِّمَّةِ فَاشْتُرِطَ مَعْرِفَةُ قَدْرِهِ؛ كَالثَّمَنِ، (فَلَا يَصِحُّ) سَلَمٌ (فِي مَكِيلٍ)؛ كَلَبَنٍ وَزَيْتٍ وَشَيْرَجٍ وَتَمْرٍ (وَزْنًا أَوْ) فِي (مَوْزُونٍ كَيْلًا)، نَصًّا. اخْتَارَهُ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ.
قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هُوَ الْمَشْهُورُ وَالْمُخْتَارُ لِلْعَامَّةِ، وَمِمَّنْ قَالَ بِهِ الْقَاضِي وَابْنُ أَبِي مُوسَى، وَجَزَمَ بِهِ نَاظِمُ الْمُفْرَدَاتِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْهَادِي وَالْمُذَهَّبِ لِأَحْمَدَ وَغَيْرِهِمْ، وَهَذَا الْمَذْهَبُ؛ لِأَنَّهُ مَبِيعٌ يُشْتَرَطُ مَعْرِفَةُ قَدْرِهِ، فَلَمْ يَجُزْ بِغَيْرِ مَا هُوَ مُقَدَّرٌ بِهِ فِي الْأَصْلِ؛ كَبَيْعِ الرِّبَوِيَّاتِ بَعْضِهَا بِبَعْضٍ، وَلِأَنَّ قَدْرَهُ بِغَيْرِ مَا هُوَ مُقَدَّرٌ بِهِ فِي الْأَصْلِ، فَلَمْ يَجُزْ؛ كَمَا لَوْ أَسْلَمَ فِي مَذْرُوعٍ وَزْنًا. (وَعَنْهُ)؛ أَيْ: الْإِمَامِ أَحْمَدَ (يَصِحُّ) نَقَلَهَا الْمَرْوَزِيِّ؛ لِأَنَّ الْغَرَضَ مَعْرِفَةُ قَدْرِهِ وَإِمْكَانُ تَسْلِيمِهِ مِنْ غَيْرِ تَنَازُعٍ، فَبِأَيِّ قَدْرٍ قَدَّرَهُ؛ جَازَ، (اخْتَارَهُ الْمُوَفَّقُ، وَجَمْعٌ) مِنْهُمْ الشَّارِحُ، وَابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَالْمُنَوِّرِ وَمُنْتَخَبِ الْأَزَجِيِّ و(لَا) يَصِحُّ سَلَمٌ (بِنَحْوِ ذِرَاعٍ)؛ كَصَنْجَةٍ أَوْ مِكْيَالٍ (لَا عُرْفَ لَهُ عِنْدَ الْعَامَّةِ) مِنْ النَّاسِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ تَلِفَ تَعَذَّرَ الِاسْتِيفَاءُ بِهِ، وَذَلِكَ مُخِلٌّ بِالْحِكْمَةِ الَّتِي اُشْتُرِطَ مَعْرِفَةُ الْقَدْرِ لِأَجْلِهَا، (وَإِنْ عَيَّنَ فَرْدٌ مِمَّا لَهُ عُرْفٌ)؛ كَمَا لَوْ قَالَ: (بِمِكْيَالِ فُلَانٍ) أَوْ رِطْلِهِ أَوْ ذِرَاعِهِ أَوْ مِيزَانِهِ، وَهِيَ مَعْرُوفَةٌ عِنْدَ الْعَامَّةِ؛ (صَحَّ عَقْدٌ)؛ لِلْعِلْمِ بِهِ وَ(لَا) يَصِحُّ (تَعْيِينٌ)؛ لِأَنَّهُ الْتِزَامُ مَا لَا يَلْزَمُ.
فَائِدَةٌ:
الَّذِي لَا يُمْكِنُهُ وَزْنُهُ بِمِيزَانٍ؛ كَالْأَحْجَارِ الْكِبَارِ يُجْعَلُ فِي سَفِينَةٍ وَنَحْوِهَا؛ وَيُنْظَرُ إلَى أَيْ مَوْضِعٍ تَغُوصُ فِي الْمَاءِ فَيُعْلَمُ، ثُمَّ يُرْفَعُ، وَيُحَطُّ رَمْلٌ وَأَحْجَارٌ إلَى صِغَارٍ أَنْ يَبْلُغَ الْمَاءُ الْمَوْضِعَ الَّذِي كَانَ بَلَغَهُ، ثُمَّ يُوزَنُ، فَمَا بَلَغَ كَانَ زِنَةَ ذَلِكَ الْحَجَرِ.

.[الشَّرْطُ الرَّابِعُ: ذِكْرُ أَجَلٍ مَعْلُومٍ نَصًّا]:

الشَّرْطُ (الرَّابِعُ ذِكْرُ أَجَلٍ مَعْلُومٍ) نَصًّا: لِلْخَبَرِ الْمُتَقَدِّمِ، فَأُمِرَ بِالْأَجَلِ وَالْأَمْرُ لِلْوُجُوبِ، وَلِأَنَّ السَّلَمَ رُخْصَةٌ، جَازَ لِلرِّفْقِ، وَلَا يَحْصُلُ إلَّا بِالْأَجَلِ، فَإِذَا انْتَفَى الْأَجَلُ انْتَفَى الرِّفْقُ؛ فَلَا يَصِحُّ؛ كَالْكِتَابَةِ، وَالْحُلُولُ، يُخْرِجُهُ عَنْ اسْمِهِ وَمَعْنَاهُ؛ بِخِلَافِ بُيُوعِ الْأَعْيَانِ (لَهُ)؛ أَيْ: الْأَجَلِ (وَقْعٌ فِي الثَّمَنِ عَادَةً)؛ لِأَنَّ اعْتِبَارَ الْأَجَلِ لِتَحَقُّقِ الرِّفْقِ، وَلَا يَحْصُلُ بِمُدَّةٍ لَا وَقْعَ لَهَا فِي الثَّمَنِ؛ (كَشَهْرٍ)، مِثَالٌ لِمَا لَهُ وَقْعٌ فِي الثَّمَنِ، (وَفِي الْكَافِي أَوْ نِصْفِهِ) وَفِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَمَا قَارَبَ الشَّهْرَ، (قَالَ بَعْضُهُمْ)؛ أَيْ: بَعْضُ الْأَصْحَابِ: (وَ) يُشْتَرَطُ (أَنْ تَفِيَ بِهِ مُدَّتُهُ؛ فَلَا يَصِحُّ؛ كَمِائَتَيْ سَنَةٍ)؛ لِأَنَّ آجَالَ النَّاسِ لَا تَبْلُغُهَا غَالِبًا. وَهُوَ ظَاهِرٌ. وَإِنْ أَسْلَمَ فِي شَيْءٍ حَالًّا، لَمْ يَصِحَّ بَيْعًا؛ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ. (وَيَتَّجِهُ هَذَا)؛ أَيْ: عَدَمُ صِحَّةِ بَيْعِهِ حَالًّا (فِيمَا) أَيْ: فِي مَبِيعٍ مَوْصُوفٍ (فِي ذِمَّةٍ)؛ أَيْ: فَلَا يَصِحُّ بَيْعُ مَا وُصِفَ كَذَلِكَ بِلَفْظِ سَلَمٍ اُشْتُرِطَ حُلُولُهُ؛ لِأَنَّ لَفْظَ السَّلَمِ يَقْتَضِي التَّأْجِيلَ، وَقَدْ اُشْتُرِطَ فِيهِ الْحُلُولُ؛ فَلَمْ يَصِحَّ سَلَمًا وَلَا بَيْعًا، وَلِأَنَّهُ يُمْكِنُ تَسْلِيمُهُ فِي الْحَالِ، فَلَا حَاجَةَ إلَى ذِكْرِ لَفْظِ السَّلَمِ فِيهِ. وَهُوَ مُتَّجِهٌ. وَيَصِحُّ أَنْ يُسْلِمَ (فِي جِنْسَيْنِ)؛ كَأُرْزٍ وَعَسَلٍ (إلَى أَجَلٍ) وَاحِدٍ (إنْ بَيَّنَ ثَمَنَ كُلِّ جِنْسٍ) مِنْهُمَا، فَإِنْ لَمْ يُبَيِّنْهُ؛ لَمْ يَصِحَّ. وَيَصِحُّ أَنْ يُسْلِمَ (فِي جِنْسٍ) وَاحِدٍ (إلَى أَجَلَيْنِ)؛ كَسَمْنٍ يَأْخُذُ بَعْضَهُ فِي رَجَبٍ وَبَعْضَهُ فِي رَمَضَانَ؛ لِأَنَّ كُلَّ بَيْعٍ جَازَ إلَى أَجَلٍ جَازَ إلَى أَجَلَيْنِ وَآجَالٍ (إنْ بَيَّنَ قِسْطَ كُلِّ أَجَلٍ وَثَمَنَهُ)؛ لِأَنَّ الْأَجَلَ الْأَبْعَدَ لَهُ زِيَادَةُ وَقْعٍ عَلَى الْأَقْرَبِ، فَمَا يُقَابِلُهُ أَقَلُّ، فَاعْتُبِرَ مَعْرِفَةُ قِسْطِهِ وَثَمَنِهِ، فَإِنْ لَمْ يُبَيِّنْهُمَا؛ لَمْ يَصِحَّ، وَكَذَا لَوْ أَسْلَمَ جِنْسَيْنِ؛ كَذَهَبٍ وَفِضَّةٍ فِي جِنْسٍ؛ كَأُرْزٍ؛ لَمْ يَصِحَّ حَتَّى يُبَيِّنَ حِصَّةَ كُلِّ جِنْسٍ مِنْ الْمُسْلَمِ فِيهِ.
(وَ) يَصِحُّ (أَنْ يُسْلِمَ فِي شَيْءٍ) كَلَحْمٍ وَخُبْزٍ وَعَسَلٍ (يَأْخُذُ كُلَّ يَوْمٍ جُزْءًا مَعْلُومًا مُطْلَقًا)؛ أَيْ: سَوَاءٌ بَيَّنَ ثَمَنَ كُلِّ قِسْطٍ أَوْ لَا؛ لِدُعَاءِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ. وَمَتَى قَبَضَ الْبَعْضَ، وَتَعَذَّرَ الْبَاقِي؛ رَجَعَ بِقِسْطِهِ مِنْ الثَّمَنِ، وَلَا يَجْعَلُ لِلْمَقْبُوضِ فَضْلًا عَلَى الْبَاقِي؛ لِأَنَّهُ مَبِيعٌ وَاحِدٌ مُتَمَاثِلُ الْأَجْزَاءِ، فَقَسَّطَ الثَّمَنَ عَلَى أَجْزَائِهِ بِالسَّوِيَّةِ؛ كَمَا لَوْ اتَّفَقَ أَجَلُهُ. (وَمَنْ أَسْلَمَ، أَوْ بَاعَ) مُطْلَقًا، أَوْ لِمَجْهُولٍ، (أَوْ أَجَرَ، أَوْ شَرَطَ الْخِيَارَ مُطْلَقًا) بِأَنْ لَمْ يُغَيِّهِ بِغَايَةٍ، (أَوْ) جَعَلَهَا لِأَجَلٍ (مَجْهُولٍ)؛ (كَحَصَادٍ وَجُذَاذٍ) وَنُزُولِ مَطَرٍ؛ لَمْ يَصِحَّ الشَّرْطُ وَالْعَقْدُ فِي السَّلَمِ؛ لِفَوَاتِ شَرْطِهِ، وَهُوَ الْأَجَلُ الْمَعْلُومُ؛ لِاخْتِلَافِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ، وَكَذَا لَوْ أَبْهَمَ الْأَجَلَ؛ كَإِلَى وَقْتٍ أَوْ زَمَنٍ، (أَوْ) جَعَلَهَا إلَى (عِيدٍ أَوْ رَبِيعٍ أَوْ جُمَادَى)- بِضَمِّ الْجِيمِ وَفَتْحِ الدَّالِ- قَالَ ابْنُ دِحْيَةَ: لَيْسَ فِي الشُّهُورِ مُؤَنَّثٌ سِوَى جُمَادَى، وَلِذَلِكَ كَانَ نَعْتُهَا مُؤَنَّثًا فَيُقَالُ: جُمَادَى الْأُولَى وَجُمَادَى الْآخِرَةُ، وَلَا يَجُوزُ الْأَوَّلُ وَالْآخَرُ (أَوْ) جَعَلَهَا إلَى (النَّفْرِ؛ لَمْ يَصِحَّ) مَا تَقَدَّمَ مِنْ سَلَمٍ وَإِجَارَةٍ وَخِيَارِ شَرْطٍ؛ لِلْجَهَالَةِ، (غَيْرُ الْبَيْعِ)، فَيَصِحُّ (لِعَدَمِ تَعَلُّقِهِ)؛ أَيْ: الْبَيْعِ (بِالْأَجَلِ)، وَيَكُونُ الثَّمَنُ حَالًّا، وَلِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ بَيْنَ إمْضَاءِ الْبَيْعِ مَعَ اسْتِرْجَاعِ الزِّيَادَةِ عَلَى قِيمَةِ الْمَبِيعِ حَالًّا، وَبَيْنَ الْفَسْخِ، فَإِنْ عَيَّنَ عِيدَ فِطْرٍ أَوْ أَضْحَى أَوْ رَبِيعَ أَوَّلٍ أَوْ ثَانٍ أَوْ جُمَادَى كَذَلِكَ، أَوْ النَّفْرَ الْأَوَّلَ وَهُوَ ثَانِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ، أَوْ الثَّانِيَ وَهُوَ ثَالِثُهَا؛ صَحَّتْ؛ لِأَنَّهُ مَعْلُومٌ. (وَإِنْ قَالَا)؛ أَيْ عَاقِدَا سَلَمٍ: (مَحَلُّهُ) بِفَتْحِ الْحَاءِ، وَالْكَسْرُ لُغَةٌ-: مَوْضِعُ الْحُلُولِ (رَجَبٌ، أَوْ) مَحَلُّهُ (إلَيْهِ)؛ أَيْ: رَجَبٌ مَحَلُّهُ (أَوْ فِيهِ)؛ أَيْ: فِي رَجَبٍ؛ (صَحَّ) السَّلَمُ، (وَحَلَّ) مُسْلَمٌ فِيهِ (بِأَوَّلِهِ)؛ أَيْ: رَجَبٍ، وَهُوَ غُرُوبُ الشَّمْسِ مِنْ آخِرِ الشَّهْرِ الَّذِي قَبْلَهُ؛ كَمَا لَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ إلَى رَجَبٍ أَوْ فِيهِ، وَلَيْسَ مَجْهُولًا؛ لِتَعَلُّقِهِ؛ بِأَوَّلِهِ.
(وَ) إنْ قَالَا مَحَلُّهُ (إلَى أَوَّلِهِ)؛ أَيْ: شَهْرِ كَذَا، (أَوْ) إلَى (آخِرِهِ؛ يَحِلُّ بِأَوَّلِ جُزْءٍ مِنْهَا)؛ أَيْ: مِنْ أَوَّلِهِ أَوْ آخِرِهِ؛ كَتَعْلِيقِ الطَّلَاقِ، (وَلَا يَصِحُّ) إنْ قَالَا: (يُؤَدِّيه فِيهِ)؛ أَيْ فِي شَهْرِ كَذَا؛ لِجَعْلِهِ كُلِّهِ ظَرْفًا، فَيُحْتَمَلُ أَوَّلُهُ وَآخِرُهُ؛ فَهُوَ مَجْهُولٌ.
(وَ) إنْ قَالَا (إلَى ثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ فَإِلَى انْقِضَائِهَا) وَإِنْ كَانَتْ مُبْهَمَةً فَابْتِدَاؤُهَا حِينَ تَلَفُّظِهِ بِهَا، وَإِنْ قَالَ إلَى شَهْرٍ انْصَرَفَ إلَى الْهِلَالِ، إلَّا أَنْ يَكُونَ فِي أَثْنَائِهِ؛ فَإِنَّهُ يُكْمِلُ الْعَدَدَ، وَيَنْصَرِفُ إطْلَاقُ الْأَشْهُرِ إلَى الْأَشْهُرِ (الْهِلَالِيَّةِ)؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا}. (وَيَصِحُّ) تَأْجِيلُ السَّلَمِ (بِشَهْرٍ وَعِيد رُومِيَّيْنِ إنْ عُرِفَا؛ كَشُبَاطَ وَآذَارَ وَالنَّيْرُوزِ وَالْمِهْرَجَانِ)؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مَعْلُومٌ؛ أَشْبَهَ الْأَشْهُرَ الْعَرَبِيَّةَ وَأَعْيَادَ الْمُسْلِمِينَ؛ (وَإِلَّا)؛ بِأَنْ اخْتَلَفَ ذَلِكَ الْعِيدُ الْمَشْهُورُ؛ (فَلَا) يَصِحُّ السَّلَمُ؛ (كَالسَّعَانِينَ وَعِيدِ الْفَطِيرِ) وَنَحْوِهِمَا مِمَّا يَجْهَلُهُ الْمُسْلِمُونَ غَالِبًا، وَلَا يَجُوزُ تَقْلِيدُ أَهْلِ الذِّمَّةِ فِيهِ، وَالسَّعَانِينُ- بِسِينٍ ثُمَّ عَيْنٍ مُهْمَلَتَيْنِ- قَالَ ابْنُ الْأَثِيرِ وَغَيْرُهُ: هُوَ عِيدٌ لِلنَّصَارَى قَبْلَ عِيدِهِمْ الْكَبِيرِ بِأُسْبُوعٍ.
قَالَ النَّوَوِيُّ: وَيَقُولُ الْعَوَامُّ وَشِبْهُهُمْ مِنْ الْمُتَفَقِّهَةِ: بِالشِّينِ الْمُعْجَمَةِ، وَذَلِكَ خَطَأٌ.
تَتِمَّةٌ:
يُقْبَلُ قَوْلُ مُسْلَمٍ إلَيْهِ فِي قَدْرِ أَجَلٍ وَمُضِيِّهِ بِيَمِينِهِ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ اقْتَضَى الْأَجَلَ، وَالْأَصْلُ بَقَاؤُهُ، وَلِأَنَّ الْمُسْلَمَ إلَيْهِ يُنْكِرُ اسْتِحْقَاقَ التَّسْلِيمِ، وَهُوَ الْأَصْلُ، وَيُقْبَلُ قَوْلُهُ أَيْضًا فِي مَكَانِ التَّسْلِيمِ، نَصًّا؛ إذْ الْأَصْلُ بَرَاءَةُ ذِمَّتِهِ مِنْ مُؤْنَةِ نَقْلِهِ إلَى مَوْضِعٍ ادَّعَى الْمُسْلِمُ شَرْطَ التَّسْلِيمِ فِيهِ (وَمَنْ أُتِيَ لَهُ)- الْبِنَاءُ لِلْمَفْعُولِ- (بِمَا)؛ أَيْ: دَيْنٍ (لَهُ مِنْ سَلَمٍ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ الدُّيُونِ قَبْلَ مَحِلِّهِ)- بِكَسْرِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ- أَيْ: حُلُولِهِ، (وَلَا ضَرَرَ) عَلَيْهِ؛ أَيْ: الْمُسْلِمِ؛ كَخَوْفٍ وَتَحَمُّلِ مُؤْنَةٍ، أَوْ اخْتِلَافِ قَدِيمِ مُسْلَمٍ فِيهِ وَحَدِيثِهِ (فِي قَبْضِهِ)؛ كَحَدِيدٍ وَرَصَاصٍ وَزَيْتٍ وَعَسَلٍ وَنَحْوِهَا؛ (لَزِمَهُ)؛ أَيْ: رَبَّ الدَّيْنِ قَبْضُهُ نَصًّا؛ لِحُصُولِ غَرَضِهِ، فَإِنْ كَانَ فِيهِ ضَرَرٌ؛ كَالْأَطْعِمَةِ وَالْحُبُوبِ وَالْحَيَوَانِ، أَوْ الزَّمَنُ مَخُوفًا؛ لَمْ يَلْزَمْهُ قَبْضُهُ قَبْلَ مَحِلِّهِ، وَإِنْ أَحْضَرَهُ فِي مَحِلِّهِ؛ لَزِمَهُ قَبْضُهُ مُطْلَقًا؛ كَمَبِيعٍ مُعَيَّنٍ، (فَإِنْ أَبَى) قَبْضَهُ حَيْثُ لَزِمَهُ؛ (قَالَ لَهُ حَاكِمٌ: إمَّا أَنْ تَقْبِضَ أَوْ تُبَرِّئَ) مِنْ الْحَقِّ، (فَإِنْ أَبَاهُمَا)؛ أَيْ: الْقَبْضَ وَالْإِبْرَاءَ؛ (قَبَضَهُ) الْحَاكِمُ (لَهُ)؛ أَيْ: لِرَبِّ الدَّيْنِ؛ لِقِيَامِهِ مَقَامَ الْمُمْتَنِعِ، كَمَا يَأْتِي فِي السَّيِّدِ إذَا امْتَنَعَ مِنْ قَبْضِ مَالِ الْكِتَابَةِ، (وَمَعَ ضَرَرٍ) فِي قَبْضِهِ؛ لِكَوْنِهِ مِمَّا يَتَغَيَّرُ؛ (كَالْفَاكِهَةِ) الَّتِي يَصِحُّ السَّلَمُ فِيهَا مِنْ الرُّطَبِ وَالْعِنَبِ وَنَحْوِهِمَا؛ فَإِنَّهَا (تَتْلَفُ) سَرِيعًا، وَالضَّرَرُ لَا يُزَالُ بِالضَّرَرِ، أَوْ كَانَ الْمُسْلَمُ فِيهِ قَدِيمُهُ دُونَ حَدِيثِهِ؛ كَالْحُبُوبِ؛ فَلَا يَلْزَمُهُ قَبْضُهُ قَبْلَ مَحِلِّهِ، وَكَذَلِكَ مَا يُحْتَاجُ فِي حِفْظِهِ لِكُلْفَةٍ؛ كَقُطْنٍ (وَحَيَوَانٍ يَحْتَاجُ لِمُؤْنَةٍ، أَوْ) يَخْشَى الْمُسْلِمُ عَلَى مَا يَقْبِضُهُ مِنْ (خَوْفٍ) فِي زَمَانٍ أَوْ مَكَان؛ (فَلَا) يَلْزَمُهُ قَبُولُهُ قَبْلَ مَحِلِّهِ؛ لِمَا عَلَيْهِ مِنْ الضَّرَرِ فِيهِ.
(وَ) إنْ جَاءَ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ الْمُسْلِمَ بِالْمُسْلَمِ فِيهِ (بَعْدَ مَحِلِّهِ؛ فَإِنَّهُ يَلْزَمُ) الْمُسْلِمَ قَبُولُ الْمُسْلَمِ فِيهِ (مُطْلَقًا)، تَضَرَّرَ بِقَبْضِهِ، أَوْ لَا؛ لِأَنَّ الضَّرَرَ لَا يُزَالُ بِالضَّرَرِ. (وَمَنْ أَرَادَ قَضَاءَ دَيْنٍ عَنْ مَدِينٍ غَيْرِهِ، فَأَبَى رَبُّهُ)؛ أَيْ: الدَّيْنِ قَبْضَهُ مِنْ غَيْرِ مَدِينِهِ، (أَوْ أَعْسَرَ زَوْجٌ بِنَفَقَةِ زَوْجَتِهِ)، وَكَذَا إنْ لَمْ يُعْسِرْ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى، (فَبَذَلَهَا أَجْنَبِيٌّ)؛ أَيْ: لَمْ تَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَتُهُ هِبَةً لَا دَيْنًا وَهُوَ (غَيْرُ وَكِيلِ) الْمَدِينِ، وَلَا الزَّوْجِ، فَأَبَتْ الزَّوْجَةُ قَبُولَ نَفَقَتِهَا مِنْ الْأَجْنَبِيِّ؛ (لَمْ تُجْبَرْ)؛ أَيْ: الزَّوْجَةُ وَلَا رَبُّ الدَّيْنِ عَلَى قَبُولِ ذَلِكَ؛ لِمَا فِيهِ مِنْ الْمِنَّةِ عَلَيْهَا، وَأَمَّا إذَا كَانَ الْبَاذِلُ لِذَلِكَ وَكِيلًا وَنَحْوَهُ؛ لَزِمَ الْقَبُولُ تَبْرِئَةً لِذِمَّةِ الْمَبْذُولِ عَنْهُ، (وَتَمْلِكُ) الزَّوْجَةُ (الْفَسْخَ) لِإِعْسَارِ زَوْجِهَا؛ كَمَا لَوْ لَمْ يَبْذُلْهَا أَحَدٌ، فَإِنْ مَلَّكَهُ لِمَدِينٍ وَزَوْجٍ، وَقَبَضَاهُ، وَدَفَعَاهُ لَهُمَا؛ أُجْبِرَا عَلَى قَبُولِهِ، وَلَيْسَ لِلْمُسْلِمِ إلَّا أَقَلُّ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ الصِّفَةُ.